سورة هود - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


قلت: من قرأ: إني؛ بالكسر، فعلى إرادة القول، ومن قرأ بالفتح، فعلى إسقاط الخافض، أي: بأني، و{بادي الرأي}: ظرف ل {اتبعك}، على حذف مضاف أي: وقت حدوث أول رأيهم. وهو من البدء أي: الحدوث، أو من البُدُوِّ، أي: الظهور. أي: اتبعوك في ظاهر الرأي دون التعمق في النظر.
يقول الحق جل جلاله: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه} فقال لهم: {إني لكم}، أو بأني لكم {نذير مبينٌ} أي: بين ظاهر، أو أبين لكم موجبات العذاب، ووجه الخلاص منه، قائلاً: {ألا تعبدوا إلا الله}، ولا تعبدوا معه غيره، {إني أخاف عليكم عذابَ يومٍ أليم}؛ مُؤلم، وهو في الحقيقة صفة للعذاب، ووصف به زمانه على طريقة جَدَّ جَدُّه، ونهاره صائم؛ للمبالغة.
{فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نَراك إلا بشراً مثلنا}؛ لا مزية لك علينا تخصك بالنبوءة ووجوب الطاعة، {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلُنا}؛ أخساؤنا وسُقَّاطنا؛ جمع ارذل. {بادِيَ الرأي}؛ من أول الرأي من غير تفكر ولا تدبر، أي: اتبعك هؤلاء بادي الرأي من غير ترو. أو ظاهراً رأيهم خفيفاً عقلهم، وإنما استرذلوهم، لأجل فقرهم، جهلاً منهم، واعتقاداً أن الشرف هو المال والجاه. وليس الأمر كذلك. بل الشرف إنما هو بالإيمان والطاعة، ومعرفة الحق. وقيل: إنهم كانوا حاكة وحجامين. وقيل: أراذل في أفعالهم، لقوله {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [الشعراء: 112]، ثم قالوا: {وما نَرى لكم} أي: لك ولمتبعيك {علينا من فضلٍ} يؤهلكم للنبوءة، واستحقاق المتابعة. {بل نظنكم كاذبين}؛ أنت في دعوى النبوءة، وهم في دعوى العلم بصدقك. فغلب المخاطب على الغائبين.
الإشارة: تكذيب الصادقين سنة ماضية، وأتباع الخصوص موسومون بالذلة والقلة، وهم أتباع الرسل والأولياء وهم أيضاً جُل أهل الجنة؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: «أَهلُ الجَنَّة كُلُّ ضَعِيفٍ مُستَضعَفٍ». وقالت الجنة: مَا لِيَ لا يَدخُلُني إلا سُقَّطُ الناس فقال لها الحق تعالى: «أنتِ رَحمَتي أَرحَمُ بِك مَنْ أَشاء» حسبما في الصحيح.


قلت: {أنلزمكموها}: يصح في الضمير الثاني الوصل والفصل؛ لتقدم الأخص.
يقول الحق جل جلاله: {قال} نوح لقومه: {يا قوم أرأيتم}: أخبروني، {إن كنت على بينة من ربي}؛ على طريقة واضحة من عند ربي، أو حجة واضحة شاهدة بصحة دعواي، {وآتاني رحمة من عنده} النبوة، {فعميت}؛ خفيت {عليكم} فلم تهتدوا إليها، {أنلزمكموها}؛ أنكرهكم على الاهتداء بها {وأنتم لها كارهون} لا تختارونها ولا تتأملون فيها. ولم يؤمر بالجهاد، بل تركهم حتى نزل بهم العذاب.
الإشارة: طريقة أهل التذكير الذين هم على بينة من ربهم أنهم يُذكرون الناس، ولا يكرهون أحداً على الدخول في طريقهم، إذا عميت عليهم، والله تعالى أعلم.


يقول الحق جل جلاله:، حاكياً عن نوح عليه السلام: {ويا قوم لا أسألكم عليه}؛ على التبليغ المفهوم من السياق، {مالاً}: جُعلاً انتفع به، {وإن أجري إلا على الله}؛ فإنه المأمول منه. ثم طلبوا منه طرد الضعفاء ليجالسوه، فقال لهم: {وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم} فيخاصموني إن طردتهم، أو: إنهم ملاقوه فيفوزون بقربه، فكيف أطردهم؟ {ولكني أراكم قوماً تجهلون} لقاء ربكم، أو بأقدارهم، أو تسفهون عليهم فتدعُوهم أرذال، أو قوماً جُهالاً استحكم فيكم الجهل وشختم فيه، فلا ينفع فيكم الوعظ والتذكير. {ويا قوم من ينصرني من الله}: من يدفع انتقامه عني {إن طردتهم} وهم بتلك الصفة الكاملة من الإيمان والخوف منه؟ {أفلا تذكرون} فتعلموا أن التماس طردهم، وتوقيف الإيمان عليه ليس بصواب.
الإشارة: قال القشيري: قوله تعالى: {لا أسألكم عليه مالاً}، فيه تنبيه للعلماء الذين هم ورثة الأنبياء أن يتأدبوا بأنبيائهم، وألا يطلبوا من الناس شيئاً في بث علومهم، ولا يرتفقوا منهم بتعليمهم، والتذكير لهم، وما ارتفق من المستمعين في بث فائدة يذكر بها من الدين، ويعظ بها المسلمين فلا يبارك الله فيما يُسمعون به عن الله، ولا ينتفعون به، ويحصلون به على سخط من الله. اهـ.
قلت: هذا إن كان له تشوف وتطلع بذلك، بحيث لو لم يعط لم يُعلم، أو لم يُذكر. وأما إن كان يعلم ويذكر لله، ثم يتصدق عليه لله، فلا بأس به إن شاء الله. وما زالت الأشياخ والأولياء يقبضون زيارات الفقراء، وكل من يأتيهم ويذكرونهم ويعرفونهم بالله، لأن ذلك ربح للمعطي وتقريب له، وما ربح الناس إلا من فلسهم ونفسهم؛ بذلوها لله، فأغناهم الله. وقد تقدم عند قوله {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً...} [التوبة: 103] بعض الكلام على هذا المعنى، والله تعالى أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8